الخميس 28 نوفمبر 2024

متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

انت في الصفحة 27 من 39 صفحات

موقع أيام نيوز


يغلقه.. أسرعت دنيا وأوقفته بغمزة من عينها
التقل صنعة يا بشمهندس.. بس بلاش تزودها.. رد على التليفون براحتك..
فتح مازن الخط ليجد صوت نيرة في أقصى حالات اضطرابه.. فهتف بها بقلق
في إيه يا نيرة.. اهدي بس وفهميني..
سكت قليلا ليستمع إلى نبرتها المضطربة ثم طمئنها بهدوء
طيب.. خلاص.. ربع ساعة وهكون عندك..
هسلم عليك بقى دلوقت لأن طيارتي كمان أربع ساعات.. أشوف وشك بخير..

أشوف وشك بخير يا دنيا.. أول ما توصلي طمنيني..
أومأت برأسها موافقة وخرج هو ليلحق بموعده مع نيرة.. بينما ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتي دنيا وهي تغمغم
يا بختها بيك يا مازن.. يا ريت بس ما تكسرش قلبك..
فقد كان يتردد في رأسها باقي جملة نيرة والتي لم تخبره بها..
عايزة فستان أبهر بي خطيبي.. وأقهر بي خطيبي الأولاني ويندم ألف مرة على أنه فرط فيا..
كان حسن يعمل على إنهاء بعض الرتوش النهائية بإحدى التصميمات التي كلفه بها صاحب المكتب الهندسي عندما جاءته منى بكوب من الشاي وبعض قطع الكيك ووقفت بجواره وهي تداعب خصلات شعره وتهمس
حسن.. أنت لسه زعلان..
أخفض رأسه فوق لوحته وهو يكتم ابتسامته.. فهي تحاول مراضاته منذ ساعات وهو مستمر في التظاهر بالڠضب.. فقط حتى يستمتع بدلالها له..
لفت ذراعها حول كتفه وهي تقترب منه أكثر وتهمس
أنا مش فاهمة بس مين اللي يزعل من التاني!!.. يعني بعد ما أجهز لك الغدا.. تغضب وتسيب الأكل وكمان مش عايز تكلمني ولا ترد علي..
ظل صامتا ولم تسمع منه أي رد.. فسحبت ذراعها بهدوء وأولته ظهرها وهي تغمغم بحنق
براحتك.. أنا في الصالة لو..
وقبل أن تكمل كلامها وجدت نفسها تسحب للخلف بسرعة فشهقت پخوف وحسن يرفعها ليحشرها بين جسده ولوحة التصميم.. وهو يخبرها بضحكة مكتومة
بقى بذمتك الشيء اللي كان في الأطباق ده اسمه غدا!..
أخفضت رأسها وأحاطت عنقه بذراعيها وهي تخبره بصبر
يا حبيبي.. دي اسمها بصارة.. وبعدين دي طعمها حلو جدا.. ومفيدة كمان.. أنت قمت وسبت الأكل حتى من غير ما تدوقها!..
جلس حسن من جديد على مقعده وأوقفها بين ساقيه وهو يسألها بتردد
يعني الشيء الأخضر اللزج ده طعم كويس معقولة!.. طيب بتتعمل من إيه البتاعة دي..
من الفول.. و..
قاطعها قبل أن تكمل
فول!!.. فول تاني!.. هيبقى فول في الفطار والغدا كمان.. ما هو البصارة من الفول والفول من البصارة يا مسعودي..
وكزته في كتفه وهتفت بحنق
بقى كده يا حسن بتتريق علي.. طيب أنا بجد بقى زعلانة.. و..
ضاعت باقي كلماتها بين شفتيه وهو يهمس
زعلانة يبقى لازم أصالحك.. دي المصالحة هي أحلى حاجة في الزعل..
وضعت رأسها على كتفه وهي تبتسم
أنت مش هتتكلم جد أبدا..
لا يا ستي هنتكلم جد.. أنت تدخلي تغيري هدومك وأنا هعزمك على أحلى عشا.. بدل الغدا النص كم بتاعك..
ابتلعت منى سخريته من الطعام البسيط بدون أن تعلق عليها.. فهي تحاول معه تدريجيا حتى يكف عن بعثرة الأموال خاصة وأن راتبه مع العمل الإضافي الذي يقوم به بالكاد يكفي تكاليف الطعام.. ولولا أن جدته دفعت ايجار الشقة لهذا الشهر لأصبحا في أزمة بالفعل وهو مصر بعناد شديد على ألا يسمح لها بالعمل.. ولكنها لم تكف عن التفكير في حل لمشكلتهما.. وأخيرا وجدت حلا معقولا ولكنها لا تعرف كيف ستكون ردة فعل حسن عليه.. فكرت قليلا ثم همست بأذنه
طيب أنا عندي اقتراح تاني.. هعملك عشا أحلى ألف مرة من بتاع بره وهنسهر سوا هنا لأني عايزاك في موضوع مهم..
غمزها بشقاوة
تصدقي وأنا عايزك برضوه في نفس الموضوع ده..
اڼفجرت بالضحك وهي تتملص من بين يديه
أشك أنه نفس الموضوع.. على العموم خلص شغلك هيكون العشا جاهز..
وبالفعل أعدت له عشاء شهي مضحية بما كانت تنوي طهوه لغذاء اليوم التالي.. لكنها كانت ترغب في إرضائه حتى يستمع إليها بهدوء ودون ڠضب..
وبالفعل كان في مزاجا رائقا بعد أن تناولا العشاء.. رقصا معا وهما يستعيدا ذكريات شهر العسل.. وحينما قاربت الموسيقى على الانتهاء شعرت منى أن حسن على وشك حملها إلى غرفتهما ليلقنها أحد دروسه اللذيذة.. ابتعدت عنه قليلا وهي تسحبه إلى الأريكة ليجلسا معا واضعة رأسها على صدره وهي تداعبه بلطف
حسن.. عايزة أقولك على حاجة..
أجابها بهمس رائق
قولي يا حبيبة حسن..
شجعها مزاجه على الكلام فتحدثت بسرعة
حسن.. أنا فكرت في مكان نعيش فيه.. ما فيش داعي للشقة دي.. وخاصة أنه إيجارها عالي قوي.. وأنت قلت إنك مش هتقبل فلوس تاني من جدتك..
اعتدل حسن في جلسته وهو يسألها بجدية
مكان إيه اللي فكرت فيه يا منى.. إوعي تكوني فكرت أننا نروح نعيش عند باباك.. ده
مستحيل..
ابتلعت منى ريقها فهي تعلم صعوبة ما ستقترحه على نفسه
حسن.. أوعدني أنك هتسمعني للآخر.. وهتفكر كويس في اقتراحي..
هز رأسه بحيرة ولكنه أجابها
أوعدك يا منى..
شوف يا سيدي.. في فوق السطح في البيت عند بابا أوضتين مقفولين.. ما فيش حد بيستعملهم.. أنا أما كنت عندهم آخر مرة طلعت وبصيت عليهم.. لقيتهم محتاجين شغل بسيط.. ووهيكونوا مناسبين..
قاطعها حسن
مناسبين لإيه يا منى..
حسن.. اسمعني للآخر.. إحنا لازم ندبر نفسنا وإلا هيجي الشهر الجديد واحنا مش معانا إيجار الشقة دي.. مش عيب ولا حرام لو قعدنا في أوضة فوق السطوح.. أنت دايما كنت بتقول المهم نكون سوا.. وعشان ده يتحقق لازم نضحي.. أنا عارفة أنك ضحيت كتير وخسړت كتير.. بس معلش يا حسن هنضغط على نفسنا فترة لحد ما الأمور تهدى وتقدر ترجع لشغلك أو على الأقل تمسك شغل مناسب.. أرجوك فكر يا حسن.. أنا مش فارق معايا أني أعيش في فيلا.. أو شقة فخمة أو فوق سطوح..
بدا الإمتعاض الشديد على وجه حسن وهو يتصور حياته في غرفة فوق سطح منزل بحي شعبي.. وقرأت منى بوضوح امتعاضه هذا ولكنها لم تيأس..
فاقتربت منه وهي تضع بصوتها كل ما تملكه من دلال وغنج
عشان خاطري يا حسن.. عشان خاطري.. تيجي معايا نشوفها بس.. وبعدين تقول رأيك..
لم يجد حسن بدا من الموافقة على رجائها الحار وهو يعتصر عقله بقوة بحثا عن حل.. عن مكان مناسب ليقيم به هو وزوجته.. بدون أن يرضخ لټهديد والده المستمر.. أو لاغرائاته المستترة.. والتي بدأت اليوم بالذات بعرض مبتذل حمله صاحب المكتب الذي يعمل به.. بموافقة والده على حل وسط.. وهو عودته إلى عمله القديم.. على أن يجعل زواجه من منى زواجا سريا..
سمع صوتها المتوسل
حسن..
ضمھا إلى صدره وهو يدفن وجهه بخصلات شعرها
ماشي يا منى.. هاجي معاك بكره نشوف السطوح.. أنا عندي كام منى..
خيم الصمت التام على سيارة مازن الذي وضع كل تركيزه في القيادة بينما أخذت نيرة تتلاعب بقماش ثوبها ذو الأوان المتعددة والذي أجبرها مازن على ارتدائه في بداية السهرة.. رمقته بغيظ وهي تتذكر سعادتها وهي تتهادى بثوب سهرة من قماش الشيفون الأبيض له فتحة صدر مربعة.. وقد التصق قماشه بصدرها ثم تهدلت طبقاته حتى نهاية ساقيها.. مع كمين طويلين يكاد يصل طولهما لطول الفستان الأساسي.. كانت تبدو كحورية ملائكية.. ابتسمت بخبث.. بل كانت تبدو كعروس..
خطت عدة خطوات حتى وصلت إلى مازن الذي كان يجلس على الأرجوحة بالشرفة ويوليها ظهره كعادته.. كانت تغضب من حركته تلك في البداية.. إلا أن ڠضبها قد تحول سريعا إلى لهفة لترى تلك النظرة بعينيه في كل مرة يلتفت بها نحوها وعيناه تكاد تحتوي ملامحها بنظرة شوق ولهفة.. إلا أنه تلك المرة.. لم يلتفت نحوها.. بل أخبرها بهدوء
اطلعي غيري الفستان يا نيرة..
هتفت بدهشة
أغيره!.. ليه.. أنت حتى ما شوفتوش.. والله مقفول ومش قصير..
شعرت به يبتسم رغم أنها لم ترى وجهه ولكنها سمعته يسألها بهدوء
بس أبيض صح
ضړبت قدمها بالأرض ڠضبا وهي تهتف بحنق
عرفت إزاي
هز رأسه وقد ظهرت ضحكته تلك المرة
اطلعي غيريه يا نيرة.. وبلاش تلبسي واحد فضي.. الليلة فرح ريناد.. وهي العروسة..
هتفت بعناد
مش هغيره..
هز كتفيه وهو مازال يوليها ظهره
يبقى مش هنروح الفرح..
عادت ټضرب قدمها بالأرض ڠضبا وهي تلتفت لتصعد إلى غرفتها وتغير ثوبها الأبيض بذلك الذي ترتديه الآن والذي يضم عدة درجات من اللونين الأزرق والأحمر 
التفتت له وهي تتأمل ملامحه عاجزة عن تفسير مشاعرها نحوه.. لا تنكر وسامته الواضحة.. فهي كانت تراه وسيما دائما.. لكن ما يجذبها نحوه ليست تلك الوسامة.. تشعر أنه مثل اللهب.. وهي ترى نفسها لأول مرة كالفراشة التي تنجذب بدون تفكير نحو شعلة قد تكون سببا في هلاكها.. ولكن كيف.. كيف وهو يمتلك تلك القدرة الغير معقولة على فهمها.. واحتوائها أيضا.. فلم تنسى يوم اتصلت به وهي في أقصى حالات الاضطراب لظنها بأن دعوة أبيها لفريدة لتناول الغذاء ما هي إلا مقدمة لعودتها الدائمة إلى حياتهم جميعا.. ولم تهدأ إلا بعد أن أقنعها مازن بالجلوس مع ضيفتها على مائدة الغذاء والقيام بواجبات الضيافة كما يفترض بها كسيدة صغيرة لبيت والدها.. ورضخت نيرة لطلبه بنزق بعدما وعدها بأن يتواجد معها في تلك الجلسة.. والتي أدركت بعدها.. أن فريدة لن تعود لتصبح جزء من أسرتها ثانية.. رغم استشعارها بغريزتها الأنثوية.. أن فريدة مازالت غارقة في حب والدها.. إلا أنها كما بدا واضحا.. قد قررت أن تتجاوز تلك المشاعر أو على أفضل تقدير.. تتجاهلها.
أخرجها من ذكرياتها توقف السيارة.. فسألت مازن بقلق
هي العربية عطلت ولا إيه.. إحنا لسه ما وصلناش المزرعة..
الټفت لها وهو يجيبها بهدوء
المزرعة قريبة قوي.. والعربية سليمة.. بس أنا حبيت أقولك ما فيش داعي تحكي لعليا على أي حاجة شوفتيها في الفرح.. يعني الكلام بتاع البنات ده..
ضغطت على أسنانها پغضب
هو أنت شايفني معډومة الإحساس للدرجة دي!
ما اقصدش يا نيرة.. بس ممكن الكلام ياخدكوا وتحكي من غير ما تقصدي.. وممكن هي كمان تسأل..
اطمن.. أنا فاهمة كويس.. وعليا مش هتسأل هي أكيد مموتة نفسها عياط دلوقت..
أومأ موافقا وهو يهمس
مسكينة..
سألته پغضب
إيه صعبانة عليك قوي..
تأملها لثوان ولم يتمالك نفسه من سؤالها
معقولة.. دي غيرة..
تجمدت بالكامل عندما سمعت سؤاله.. غيرة!.. معقول نيرة تغار.. تغار عليه.. رمشت عينيها بسرعة وهي تحاول.. فهم ما يدور بأعماقها.. ولكنها
لم تجد سوى فوضى مشاعر لم تفهمها.. وقررت ألا تحاول فهمها الآن على الأقل.. فقررت تغيير الموضوع..
فسألته
أنت اتضايقت من الكلام اللي قلته ليزيد وريناد..
أدرك أنها تتهرب من سؤاله.. ولكنه مررها تلك المرة وهو يبتسم ساخرا.. متذكرا ملامح يزيد ونيرة تلقي بقنبلتها فوق رأسه قائلة..
ألف مبروك يا ريناد.. الفستان تحفة.. بسيط ومش مبهرج.. لايق عليك جدا.. أنا آسفة كان نفسي اقعد لآخر الحفلة.. بس عليا لوحدها الليلة.. وأكيد حالتها النفسية صعبة.. لازم أروح لها اهون عليها شوية...
والتفتت إلى يزيد بنظرة صاعقة..
مبروك للمرة التانية يا عريس
عاد مازن إلى جميلته الجالسة بجواره وهو غير قادر على كتم ضحكاته التي تعالت وهو يتخيل الليلة
 

26  27  28 

انت في الصفحة 27 من 39 صفحات