متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه
بالتنازل.. بالفراق..
ابتلعت ريقها في توتر وهي تسأله بتردد
قرار ايه يا حسن.. خليك صريح.. أنت مش محتاج للمقدمات دي معايا..
أغمض عينيه پألم شديد
آسف يا منى.. استحمليني شوية.. اللي هكلمك فيه مش سهل علي..
سكت قليلا ليلمح وجهها وقد شحب تماما.. فشهق پعنف وقد استوعب ما فهمته من كلماته
منى.. أنت متخيلة أني هتخلى عنك.. أو هطلب الفراق مثلا.. معقولة تكوني مش عارفاني للدرجة دي!..
حسن.. من غير مقدمات الله يخليك..
تحرك حسن ورفعها من على مقعدها ليضمها إلى صدره بقوة
والله ما أقدر أبعد عنك.. معقولة تكوني مش حاسة باللي جوايا ناحيتك.. إذا كنت ما قدرتش أعملها واحنا لسه على البر.. يبقى هعملها بعد ما قربت منك وعرفتك أكتر وأكتر.. معقولة أقدر أفتح عينيه وما لاقيش أحلى عيون كحيلة بتضحك في وشي..
أنت كده بتقلقني أكتر يا حسن.. لأن معنى كلامك أنك ناوي تضحي بزيادة.. وتتنازل أكتر..
أبعد رأسها عن صدره ليرفع ذقنها بسبابته وإبهامه ويتأمل عينيها
أنت فاهماني كده ازاي..
رفعت راحتيها لتحيط بهما وجهه
لأنه أنت أنا..
اتكأ بجبهته فوق جبهتها وهو يحرك رأسه قليلا
حبيبتي... أنا ممكن أبيع عمري مش بس شهادة الهندسة عشان تكوني ملكي للأبد وقدام الناس كلها.. مراتي.. وحبيبتي.. وأم ولادي كمان..
يعني ايه يا حسن.. يعني ايه تبيع شهادة الهندسة.. ايه معنى الكلام ده..
جذبها من يدها ليعاود الجلوس على الأريكة وهي بجانبه ويخبرها ببطء ووضوح
هو ده القرار اللي عايزك تسانديني فيه.. أنا خلاص قررت أني أنسى مؤقتا.. لقب مهندس..
سيبيني أتكلم يا منى.. بصي.. من صغرنا وباب.. أقصد حاتم بيه.. بيصر أننا نبدأ من الصفر.. يعني مع البنايين والعمال عشان نفهم ونستوعب الشغل.. وما حدش يقدر يخدعنا أو يستغفلنا.. اشتغلنا كل حاجة.. نجارة.. سباكة.. كهربا.. محارة.. نقاشة.. كل ما يتعلق بالبنا والمقاولات.. موجود كله جوه خلايا مخي..
محسوبك أحسن أسطى نقاش عرفته مجموعة العدوي..
توسعت عينا منى وقد فهمت ما يرمي إليه حسن
حسن.. أنت تقصد.. قصدك.. أنك..
أومأ حسن موافقا
أيوه يا منى.. يا ترى نظرتك لحسن هتتغير لو طلق شهادة الهندسة دي.. واتحول ولو مؤقتا.. للأسطى حسن..
وضعت وجهها بين كفيها وهي تحركه يمينا ويسارا
رفع وجهها ثانية ليهمس لها
فين الټضحية دي.. أنا بآخد خطوة لمستقبلنا.. يمكن مش لقدام.. أو مش هنتقدم بيها كتير.. يعني هنبدأ من الصفر..
ابتسم بهدوء حتى يطمئن القلق المرتسم في عينيها
أو يعني قبل الصفر بشوية.. بس هنخرج من حصار حاتم بيه..
عادت منى تهز رأسها برفض تام للفكرة
لا يا حسن.. كده كتير.. كتير قوي.. أنت رفضت أوضة السطوح.. دلوقت عايز.. عايز تشتغل نقاش!
ابتسم حسن بمرارة لم يستطع اخفائها
يمكن قبل كده فكرت أن فكرة سكننا فوق السطوح تضحية كبيرة مني.. مش هكدب عليك يا منى.. وأنت بنفسك وصلك الإحساس ده.. لكن لحظة.. ما كان الاختيار بينك وبين مستوى ومظهر اجتماعي مالوش عندي ريحة اللازمة.. ما اترددتش لحظة..
سألت باستفهام
يعني في اختيار اهوه.. أرجوك ي...
وضع أنامله على شفتيها يمنعها عن الكلام
صدقيني.. أي اختيار ما يكونش ليكي الأولوية فيه.. مش حل بالنسبة لي..
ابتعدت منى عنه وأولته ظهرها لتحاول تكوين جملة تعرف أنها ستقتلهما معا
حسن.. رجعني بيت أبويا.. وكل..
لو تقدري تقوليها.. أنا ما اقدرش أسمعها.. أنا محتاجك يا منى.. حسن هيتولد على أيديك من جديد.. وأنا محتاج قوي اتولد من تاني.. مش هقدر اقتحم الحياة الجديدة دي إلا معاك..
في لحظة تذكر تجبر والده عليه.. وهو يطلب منه طلاق منى.. فمثلها تتخذ عشيقة وليست زوجة.. على حد قول حاتم بيه.. تلك الڼار التي مرت في شرايينه.. أحرقت كل احترام كان يكنه لوالده.. وأشعلت بلهيبها التحدي بحبه لمنى.. ورغبته أن تكون.. له.. حلاله.. في النور.. وأمام الجميع..
المشوار صعب.. ومحتاج لك يا منى.. لأنه في طلب تاني.. طلب يخصك..
عادت لتبتعد قليلا إلا أنه لم يسمح لها فظلت بين دائرة ذراعيه.. لتسمعه يهمس
ممكن تقدمي طلب اعتذار عن السنة دي.. أو حتى التيرم الأول.. أنا.. الظروف في الأول مش هكون ضامن قوي أني..
قاطعته قبل أن يكمل.. وحتى ترفع عنه الحرج
ده أنا كنت ناوية أعمله من غير ما تطلب.. كنت عايزة اتفرغ لحياتي كزوجة شوية.. يعني لحد ما اتعود..
عاد ليريح جبهته فوق جبهتها ليتأمل ملامحها ويسألها پخوف ممزوج بأمل
وموضوعنا الأساسي.. رأيك ايه..
جرت دموعها على وجنتيها بلا توقف.. كم تريد الاستجابة لنداء استغاثته.. وكم تخشى موافقته على تلك الخطوة.. تخشى عودة حسن المدلل مرة أخرى.. فعودته ستلقي على كاهلها وهي فقط ذنب تحول حسن.. البشمهندس حسن العدوي ليصبح.. مجرد عامل نقاشة.. ووقتها سيكون حبه لها تبخر بفعل ڼار الواقع وهو لن يغفر.. ولن يرحم..
يا الله.. ما هو الصواب وما الخطأ.. أأبتعد واتركه لحياته المرفهة أو أمد يدي إليه فيولد بين يدي.. حسن جديد كما يقول هو.. ليس عاشقا فقط.. بل قادرا على حماية معشوقته..
شعرت بيديه تضمها إليه اكثر وهو يطالبها باجابة على سؤاله المنطوق ومؤازرة لقراره المغامر.. للحظة واحدة غاب عقلها.. واختفى منطقها.. لينتصر القلب الذي استجاب لنداء معشوقه.. فضمت نفسها نحوه.. وهي تفتعل ابتسامة باهتة
لازم اختبر مهاراتك.. في فن النقاشة بنفسي.. الأوضة هتحتاج توضيب ودهان.. وأنا هكون بليه بتاعك.. ايه رأيك بقى..
بادلها الابتسام فأردفت هي
يعني عايز تتعلم حاجة وأنا ما اكونش عارفاها.. ما فيش أسرار بينا يا بيه.. وهساعدك يعني هساعدك..
اتسعت ابتسامته لتصبح واحدة حقيقية بالفعل والټفت ليتناول كوب عصير الفراولة ويضعه في يدها
أنا موافق بس بشرط.. تقولي لي بقى رأيك في كوباية العصير المحترمة دي..
تناولت منى رشفة واحدة من العصير لتتسع عيناها قليلا.. وهي تحاول ابتلاعه على مضض.. بينما حسن يصر عليها أن تتناوله عن آخره..
ابتلعت ما في فمها وهي تكمل باقي الكوب وترمق حسن من خلف حافته راجية الله أن تكون مهارته في النقاشة أفضل من صنع العصير.. فهو
أغرق العصير بالملح بدلا من السكر.. ولكنها تناولته كله وهي تبدي استمتاعها بمذاقه الرائع.. فإذا كان هو سيتخلى عن حياة كاملة من أجلها ألا تضحي هي بابتلاع فراولة بالملح!...
عادت إلى واقعها الآن لترمق زوجها وهو ينهي آخر بقعة من سقف الحجرة في مهارة لم تكن تعتقد أنه يمتلكها ولكنه أثبت لها الأسبوع الماضي أنها كانت على خطأ في اعتقادها.. فقد استطاع تحويل غرفة السطح ببضع لمسات فنية من فرشاة الطلاء خاصته إلى منعزل هادئ خاص بهما فقط.. عش رقيق ليحافظ على حبهما.. .. فأصبح لديهما شقة تتكون من غرفة نوم واحدة ومطبخ وحمام.. وغرفة تصلح للمعيشة أو تناول الطعام وحتى لاستقبال الضيوف.. وامتلأ البيت الصغير بعدة قطع متنافرة من الأثاث.. جمعتها منى من حيث لا يدري ولكنها بلمسات بسيطة منها.. مفرش هنا.. ووسادة صغيرة هناك.. بساط ذو ألوان غير معلومة.. لوحة عجيبة لفنان أعجب.. لكنها منحت الغرفة لقب مسكن.. بل أن لمساتها امتدت لتحول السطح خارج الغرفة إلى حديقة صغيرة.. تشبه تلك التي أعجبتها بشاليه يزيد بالمعمورة.. وأخيرا ضمهما عش كما تمنيا طويلا..
بالفعل هو عش.. ضيق للغاية ولكنه أيضا يموج بالعشق الصافي والټضحية المتبادلة..
وقفا ينظرا إلى صنع أيديهما بفخر شديد ومد حسن ذراعه لها فدست منى نفسها تحته على الفور لتلتصق به وترفع له وجه يعبر عن حب صاف
مبروك علينا شقتنا يا حسن..
همس في أذنها
أسطى حسن!..
فهماني يا دنيا.. فهماني قوي..
.. أكملت الطرحة مظهرها الخرافي.. حيث تعلقت في شعرها الذي جمعت بعض خصلاته وتركت المعظم حرا.. وامتد طول الطرحة ليصل إلى طول الفستان الذي امتد خلفها عدة أمتار..
عشان اللي فاتته البوسة الأولانية.. يلحق يتفرج على التانية!
احمرت وجنتاها بفتنة وكادت أن تنهره بعبارة مستفزة.. ولكنها توقفت عندما لمحت نظرات الحضور البراقة وكأنها تحسدها على عريسها المتيم... وسمعت بضعة آهات من مجموعة من الفتيات إعجابا بحركة مازن الجريئة... فابتسمت ابتسامة خبيثة تحولت في لحظة إلى ابتسامة خجولة وهي تخفض عينيها أرضا في حياء تاركة مازن يتأبط ذراعها.. ليعبرا معا باقي الممر.. ويدخلا إلى القاعة تناجي آذانهم موسيقى كلاسيكية هادئة.. وناعمة تماما..
بعد أن استقرا في مقعديهما همس مازن في أذنها
بصراحة.. ما ينفعش أطلب تشغيل أي أغاني.. أنت مبهرة بصورة خيالية.. هتخلي حتى أعظم سيمفونية جنبك.. شيء باهت.. أشك أن أي حد في القاعة نزل عينه من عليك..
سكت لحظة وهو يتأمل إشراقة وجهها لمغازلته الخفيفة ثم بنبرة مختلفة
صحيح.. هو الفستان ده مالوش حاجة تغطيه..
هتفت بنزق
مازن!..
الأغنية دي بس استثناء..
وعلى الفور تصاعدت موسيقى..
Everytime we touch
I still hear your voice when you sleep next to me.
I still feel your touch in my dream.
Forgive me my weakness but I dont know why
Without you its hard to survive.
.. يتحركان على أنغام الأغنية ربما.. أو أنغام أخرى خيالية يسمعها هو فقط فتدفع به إلى عنان السماء.. غاب في عينيها الزبرجدية.. فأخفضتهما أرضا.. بخجل ربما غير مصطنع.. فهمس لها
ارفعي وشك.. عايز اشوف عيونك..
الفصل السابع عشر
اضجع مازن في فراشه واضعا ذراعه تحت رأسه ورفع هاتفه بيده الأخرى وأخذ يعبث به للحظات حتى ظهر اسم حسن على الشاشة.. أخذ يتأمل رقم شقيقه للحظات.. رقم يحفظه عن ظهر قلب إلا أن استخدامه له أصبح نادرا.. توترت علاقته بشقيقه في الفترة الأخيرة لا ينكر هذا.. يكتفيان باتصالات أصبحت رسمية وروتينية..
الغيرة شعور بشع.. ولا يملك إلا أن يعانيه بصمت.. صمت أجبره عليه شعور ممېت بالخجل.. والآن تحول الخجل إلى خزي مؤلم.. كيف يواجه شقيقه وقد حولته نيرة مرتين لخنجر تنحره به!!..
والليلة.. الليلة تأكد من أنها مازالت تحمل له مشاعر.. حتى ولو كانت كراهية إلا أنها تظل مشاعر.. فهي لم تأبه بحفل زفافها أو الڤضيحة التي افتعلتها مقابل أن تؤلمه.. وهذا لا يصدر إلا عن عاشقة ناقمة.. وهو ما لن يستطيع نسيانه أو غفرانه بسهولة...
عبث بهاتفه قليلا.. ورفعه إلى أذنه.. ولم ينتظر طويلا حتى وصله صوت يزيد مجلجلا
ېخرب بيت عقلك.. إيه اللي بيخليك تتصل دلوقت!.. عايز تعليمات ولا شرح!!.. أومال بتعمل إيه مع دنيا بقى لك سنة وزيادة!!
هتف به مازن بحنق
لم نفسك يا يزيد.. أنا مش ناقصك!
واضح.. إيه اللي حصل. دنيا طربقتها على دماغك.. ولا..
قاطعه مازن
أنت مش ناوي تسكت وتلم الدور!
حصل إيه يا مازن
تنهد مازن وقص كل ما حدث في حفل الزفاف