السبت 23 نوفمبر 2024

متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

انت في الصفحة 11 من 39 صفحات

موقع أيام نيوز


منتصف العمر إلا أن الحقيقة أنها هي من أنقذته من تلك الأزمة..
تأمل تساقط الدموع على وجنتي علياء ومسارعتها لتمسحها..
فربت على كتفها وهو يحاول التحكم في أحزانه
هاه.. إحنا هنقلبها نكد ولا إيه.. يلا افتحي العلبة كده وقولي لي رأيك..
أومأت علياء بصمت وهي تمسح باقي دموعها وتفتح العلبة المخملية ليطالعها سوار غاية في الرقة.. كان يتكون من حلقات متداخلة من البلاتين والذي تزينه فصوص ماسية صغيرة..

شهقت عليا بقوة وهي تهتف
ده جميل قوي.. متشكرة قوي قوي يا عمو..
ابتسم بسعادة وهو يثبت لها السوار بمعصمها
العفو يا حبيبة عمو.. شوفت إزاي أني ما نسيتكيش.. ولا حتى يزيد..
همست عليا بخفوت
يزيد!!
أيوه.. اتفضلي دي كمان يا ستي.. دي هدية من يزيد.. أنا كان المفروض أعدي على المزرعة يوم عيد ميلادك فأعطاني العلبة أوصلها لك.. بس ظروف الشغل عطلتني زي ما قلت لك..
أخذت منه علياء العلبة الأخرى وهي تتحرق من داخلها لترى هدية يزيد ولكنها في نفس الوقت كانت تريد رؤيتها بمفردها بدون مراقبة عصام لها.. وكأن القدر استجاب لدعواتها.. فانطلق رنين هاتف المكتب ليتحرك عصام استجابة له..
وأخذ يتبادل مع محدثه حوار خاص بالعمل... بينما أنامل علياء تداعب العلبة بشعور متناقض بين توق لفتحها وخوف من أن تصدمها الهدية بداخلها فهو لم يعطها لها بنفسه بل أرسلها مع والده وكأنه يريد أن يخبرها أنه لا يرغب في رؤيتها ثانية..
الټفت على صوت عصام وهو يستأذنها
عليا حبيبتي.. استأذنك.. خمس دقايق بس هروح أخلص المشكلة دي وهرجع على طول.. استنيني ما تمشيش.. أنا لسه عايزك في موضوع ضروري..
أومأت عليا برأسها وهي تسمع باب غرقة المكتب يغلق خلف عصام..
ظلت أناملها تداعب العلبة التي تحتوي على هدية يزيد لعدة دقائق.. ودقات قلبها تعلو.. خوفا وتوقعا.. ثم فتحتها بتردد لتجد سلسلة رفيعة من الذهب الأبيض وقد تدلت منها حبة من الماس لتشكل دمعة صغيرة..
مدت يدها لتتلمس تلك الدمعة وكأنها تسألها..
لماذا اخترت إهداء الدموع لي.. هل هي مصادفة أم أنك تعمدتها يا يزيد..
عادت تتلمسها برقة متناهية.. ثم لم تستطع مقاومة فضولها.. فنهضت متوجهة نحو زجاج النافذة.. لترتدي السلسلة وتتأمل صورتها المنعكسة على الزجاج اللامع ولم تنتبه إلى دخول يزيد للغرفة ووقوفه واجما يتأمل بدوره هديته تزين جيدها.. والدمعة الماسية تبرق وقد توسدت تلك الفجوة الرقيقة بين عظام ترقوتيها.. كما تخيلها تماما وهو يختار لها هدية مولدها التي أعطاها لوالده حتى يوصلها إليها.. فبعد ما حدث في غرفته ليلة الحفل أصبح لا يضمن نفسه وحيدا معها..
أخذت عيناه تتابعها وهي تتلمس دمعته الماسية برقة.. لم يدر لم تصور أنها تهمس لها بشيء ما.. شيء أراد سماعه بشدة..
استمر في متابعة أناملها وهي تتحرك بخفة فوق السلسلة وشعر بعقله يشتعل بأفكار لم يرد أن يستمع لها بل وجمحت به خيالاته الطائشة وهو يتصور شفتيه هي التي تتحرك على طول السلسلة حتى يصل إلى تلك الدمعة المتلألئة فيتذوقها و فهتفت بعجب
يزيد!!.. أنت هنا من امتى..
الټفت إليها على مضض وهو يحاول إبعاد أي أفكار مچنونة تدور برأسه ولكن يبدو أنه لم ينجح بذلك فما أن التقت عيناهما حتى وجدها ترفع أناملها بلا وعي لتغطي شفتيها وكأنها تحميها منه.. فأخفض بصره على الفور وحياها بهدوء
إزيك يا علياء.. أنت عاملة إيه..
تجمدت الكلمات على شفتي علياء.. .. 
صحيح.. كل سنة وأنت طيبة يا علياء.. بابا وصل لك الهدية..
أومأت موافقة بدون أن تفتح شفتيها بكلمة.. فعاد يسألها محاولا تبادل حوار طبيعي معها كأنه يسعى لمحو أي ذكرى تمر بعقلها بما قام به من قبل..
إيه بقى لك مدة مختفية.. أنت ما بتروحيش النادي ولا إيه..
رفعت علياء عينيها إليه ولمعت زرقة عينيها بتساؤل حائر.. ولكنها أجابت بهدوء
أنا بروح النادي مع نيرة بس.. وهي كانت مشغولة الأسبوع ده مع حسن.. يا دوب بس جت زارتني يوم عيد ميلادي..
سكت يزيد قليلا وهو يفكر إذا ما كان عليه مواجهة الأمر والإعتذار منها عما حدث ليلة الحفل.. لكن صوتها سبقه ليسمعها تخبره برقة
عمو قالي أنكوا انشغلتوا جامد عشان كده ما قدرتوش تيجوا يوم عيد ميلادي.. والله بجد أنا مش زعلانة.. ومتشكرة قوي على الهدية الرقيقة.. كفاية أنكوا افتكرتوني..
اندفعت فجأة الكلمات إلى شفتيه فهو لم يتحمل شعورها بالامتنان في حين أنها يجب أن تصرخ به معاتبة
بصي يا علياء.. أنا آسف قوي.. آسف على كل حاجة..
هزت علياء رأسها بحيرة
بتعتذر ليه يا يزيد.. أنا..
قاطعها
أنت أختي الصغيرة يا علياء.. وأنا غلطت في حقك غلط جامد ليلة الحفلة.. عشان كده ما اقدرتش آجي وأواجهك يوم عيد ميلادك.. أنا آسف مرة تانية ويا ريت تسامحيني..
حاولت علياء حبس دموعها التي هددت بالإنهمار وهي تسمعه يصفها بأنها مجرد أخت صغيرة له.. لم تعرف بم تجبه وهو يهدم كل أحلامها ويغتال مشاعرها نحوه بتلك الكلمات البسيطة.. بينما هو لعڼ في نفسه مازن وتلميحاته المستمرة.. وتلك الرقصة اللعېنة.. التي أشعلت بركان كان يظن أنه نائم بل مېت.. ولكنه يشعر به الآن يرسل حمما مشټعلة تكاد تقضي على راحة باله للأبد..
عاد يلمح دموعها الحبيسة وتعمد إساءة فهم السبب وراءها.. فهو يريد إغلاق فوهة ذلك البركان بداخله.. فغمغم محاولا إقناع نفسه قبلها
خلاص يا علياء.. هنرجع أصحاب وأخوات زي الأول
أومأت علياء في صمت فهي تعلم أنها لو فتحت شفتيها فستشهق پبكاء لا ينقطع..
اقترب منها ليطبع قبلة أخوية على وجنتها كعربون للصلح..
لم يدر ماذا حدث بعد ذلك.. 
لم يهتم حسن للحظة بخروج نيرة الدرامي من مكتبه.. كل ما كان يعنيه في تلك اللحظة هو سماع صوت منى..
فتح الخط على الفور وهو يهتف
منى.. أخيرا يا حبيبتي..
جاءه صوتها متلعثما بخجل أذاب قلبه
وبعدين يا حسن!!.. مش قلنا بلاش مكالمات..
سألها بعتاب
وقدرت يا منى.. ما كونتش أعرف أنك قاسېة كده!
مش قسۏة يا حسن.. بس..
بس إيه..
خوف يا حسن.. خوف..
يبقى أنا ما أستحقش أعيش يا منى لو سيبتك تشعري بالخۏف ده
هتفت بسرعة
بعد الشړ عليك..
سألها بشقاوة
خاېفة علي..
تهدج صوتها
طبعا.. خاېفة عليك.. خاېفة عليك من كل حاجة.. حسن.. أنا خاېفة أني أعذبك وآلمك أكتر لو...
قاطعها
العڈاب الحقيقي هو أني ما اسمعش صوتك يا حبيبتي.. أنا كنت محتاجك قوي.. قوي.. يا منى الفترة اللي فاتت.. كنت هتجنن وأشوفك أو حتى أسمع صوتك..
أجابته وقد تلون صوتها قليلا بغيرة محببة
ليه يا حسن.. كنت محتاج لوجودي ليه.. أنت خاېف أنك تضعف قدام جمال نيرة.. بدأت تحبها..
سألها وقد عادت الشقاوة لصوته
بتغيري علي يا عمري..
هتفت بسرعة تحاول نفي شعورها بالغيرة
لا أبدا.. أنا..
قاطعها بسعادة
أنت بتغيري.. وأنا هطير
من السعادة.. بس عايز أقولك أنك مش محتاجة تغيري من أي واحدة في الدنيا.. لأن قلبي ما دخلتوش غير واحدة بس... دخلته وقفلت وراها والمفتاح معاها هي بس..
سكت قليلا وهو يستمتع بأنفاسها المضطربة نتيجة كلماته المغازلة
عارفة دي تبقى مين.. تبقى حبيبة عمري كله.. وحلم عمري اللي قربت أحققه..
سألت منى وقد غمرها الأمل رغما عنها
بجد يا حسن..
أجابها بثقة
بجد يا منى.. الحمد لله أن عمي نصر وافق على مشاركة صاحب مازن..
أجابته منى بتردد
أنا صحيح شجعت بابا على أنه يدخل في الشراكة دي.. بس برضوه مستغربة منها حبتين
سألها بتوتر
ليه يا منى..
يعني.. العرض كان وقته مريب خاصة بعد ما قلت لي آخر مرة.. أنك بتفكر تبعد بابا عن والدك.. و..
قاطعها حسن سريعا وقد خشي أن تصل بذكائها لحقيقة الأمر وهي أنه هو الصديق الغامض لمازن
يا منى.. العرض مش مريب ولا حاجة.. أنا لما سمعت من مازن عن صاحبه ده.. الفكرة ظهرت في دماغي.. والحمد لله.. عمي نصر وافق على العرض.. المهم بقى أنت عند وعدك..
أكيد طبعا.. بس وعد ايه..
أنك هتكوني جنبي بكل قوتك.. لو اتقدمت لوالدك..
قاطعته
بس تكون حر يا حسن.. أنا مش هدخل في النص بينك وبين نيرة..
هتف بها پغضب
أولا ما فيش حاجة اسمها بيني وبين نيرة.. ثانيا.. عايز أسمع منك يا منى أنك معايا.. حتى لو طلبت منك أننا نتجوز قبل ما تخلصي كليتك..
قاطعته
بس يكون بابا عارف وموافق..
ده شيء مفروغ منه زي ما قلت لك قبل كده.. عايز وعد يا منى..
همست
أوعدك يا حسن.. أوعدك أني مش هكون غير لك.. أنت بس.. أنت بس يا حسن..
هيحصل يا منى.. قريب قوي يا حبيبتي..
أرادت أن تسأله كيف سيتخلص من خطوبته من نيرة ولكنها جبنت.. هو لم يخبرها في آخر لقاء لهما إلا عن فكرته في إبعاد والدها عن براثن والده.. وهو ما تحقق بالفعل.. لكن كيفية تخلصه من الإلتزام بالزواج من نيرة لم يصرح لها عن كيفية تحقيقه.. وما لا تعرفه هو أنه يحاول جاهدا إبراز وجوه الاختلاف بينه وبين نيرة.. وإظهار وجه ممل وسخيف له في التعامل معها علها تيأس من إيقاعه في شباكها أو تقرر أخيرا أنه لا يستحق عبء مطاردتها له..
عادت تسمع صوته وهو يسألها بأمل
هشوفك إمتى..
ردت بحزن
مش هينفع يا حسن.. أرجوك احترم رغبتي.. أنا آسفة.. فترة راحتي انتهت ومضطرة أقول لك مع السلامة... لا إله إلا الله..
أجابها بهمس حزين
محمد رسول الله..
أغلق الخط.. وهو يفكر في خطوة قوية ليبعد بها نيرة عن كاهله.. ويجعلها هي من تطلب فك الارتباط.. لقد كان يعتمد على الصبر حتى تتبين هي بنفسها استحالة استمرار ارتباطهما.. ولكن صبره نفذ سريعا خاصة وهي تحبط محاولته واحدة تلو الأخرى للابتعاد عنه فكبريائها وغرورها يمنعاها من التسليم بأن حسن لن يسقط في شباكها..
كبريائها وغرورها!!..
ترددت الكلمتان في ذهنه وعقله يرسم له خطة على قدر بساطتها فهي ستكون شديدة الفاعلية.. وكلها تعتمد على كبريائها وغرورها...
ولم يدرك أن نيرة بنفسها هي من ستمنحه قريبا السکين ليقطع أي خيط يربط بينهما...
لم تعلم علياء ما الذي حدث لها.. ففي لحظة شعرت بيزيد يمنحها قبلة أخوية بسيطة.. ولكن روحها وقلبها وكيانها بأكمله تمردوا على تلك الصلة الأخوية التي يفرضها عليها.. 
صوت والده العالي خارج غرفة المكتب وهو يملي على سكرتيرته بضعة أوامر هو ما أفاقه من نشوته.. فابتعد عن علياء سريعا.. واتجه نحو النافذة يحاول تهدئة جسده والتقاط أنفاسه الهاربة منه والتي سجنتها الدمعة اليتيمة المعلقة بجيد الساحرة الصغيرة..
عاد يلعن مازن ألف مرة.. ويلعن ذاته ملايين المرات وهو يلمح نظراتها الزائغة وهي تستمع لإعتذار والده عن تأخره عنها وتركه لها وحيدة.. ثم ما لبث أن لمح يزيد فهتف بارتياح
يزيد.. طيب كويس أنك هنا.. أنا كنت لسه هبعت لك..
تنتح يزيد ليجلي صوته وهو يسأل والده
خير يا بابا في حاجة.
أشار عصام لهما ليجلسا.. فاتجهت علياء لتجلس على أحد الأرائك متجنبة الجلوس على المقعد المواجه لمكتب عصام فقد خشيت أن يلمح تشوشها وتخبط أفكارها.. خاصة وهي تغطي بيدها على دمعة
 

10  11  12 

انت في الصفحة 11 من 39 صفحات