مزرعه الدموع بقلم مني سلامه
يراها دكتور حسن مقبله على عملها والإبتسامه تعلو شفتيها .. كان سعيدا لسعادتها .. وإن كان لا يعرف سبب تلك السعادة .. أثناء انهماكها فى عملها .. اقترب منها .. رفعت رأسها .. لتتلاقى نظراتهما فى صمت .. شعر بأنها اليوم أجمل من ذى قبل .. وجهها يشع نورا .. عينيها لم تعد تحمل تلك العبرات التى تهدد دائما بالإنهمار .. اختفت نظرات الحزن والأسى لتحل محلها نظرات الفرح والأمل .. كانت عيناه اليوم أيضا مختلفه .. كأنها تفصح عن سرا لطالما أخفته .. لكنها خانته اليوم .. وباحت بسره .. عبر شفره صغيره .. استقبلت عيناها تلك الشفره .. ومررتها على قلبها .. فترجمها .. وتعالت خفقاته عندما فهم تلك الشفرة التى أرسلتها عيناه الى عينيها .. أشاحت بوجهها .. فقلبها الضعيف وصلت سرعة خفقاته لذروتها .. قال لها بصوت حانى
ردت بصوت خاڤت حاولت السيطرة على رجفته
صباح النور
ثم عادت لتكمل فحص الحاله التى أمامها .. ظلت عيناه معلقه بها .. وكأنه يخشى فرارها .. ابتسم قائلا
مكنتش متوقع انك هتنزلى الشغل النهاردة .. لو تعبانه من سفر امبارح روحى ارتاحى النهاردة
قالت وهى تستمر فى أداء عملها
لأ .. أنا كويسه
أومأ برأسه وقال لها بحنان جارف
لم تجبه
.. الټفت وانصرف .. تابعته بعينيها فى صمت .. وابتسامه صغيره تتكون ببطء على شفتيها
توقفت عن العمل عندما حان موعد استراحة الغداء .. توجهت الى القاعة والإبتسامه تعلو شفتيها .. كانت على الرغم منها لا تستطيع اخفاء فرحتها .. كانت وجهها دائما ېفضحها .. لا تستطيع اخفاء ما تشعر به بداخلها .. حزنا كان أم فرحا .. أنهت غدائها .. ووقفت قليلا مع بعض زميلاتها العاملات فى المزرعة .. كانت ياسمين تتهرب دائما من صحبتهن .. أو التحدث معهن .. فكان قلبها يحمل هما يكتفها .. فلا تستطيع الإندماج مع الآخرين .. أو التواصل معهن .. لكنها اليوم كالطير الحبيس الذى حصل أخيرا على حريته .. وقفت تتجاذب معهن أطراف الحديث وتضحك فى مرح .. وفجأة اقتربت منها مها .. لم تلقى لها ياسمين بالا .. وقفت مها بين الجمع وصفقت بيديها لتجذب انتباههم قائله
ثم التفتت الى ياسمين وقالت بخبث
ولا تحبي تقوليلهم الخبر بنفسك يا ياسمين
نظرت اليها ياسمين بدهشة قائله
خبر ايه يا مها
قالت مها بعتاب مصطنع
اخص عليكي .. طالما فرحتى يبقى تفرحينا معاكى
جف حق ياسمين ونظرت اليها قائله
مش فاهمة قصدك ايه
نظرت مها الى الفتيات اللاتى توقفن عن الحديث وتابعن ما يحدث .. قالت لهن فى مرح
نظرن الى ياسمين وقالت احداهن
نباركلها على ايه
وقالت أخرى
ايه اتخطبت
قالت مها وهى تنظر الى ياسمين بشماته
لأ .. اطلقت
تعالت صيحات عدم التصديق .. نظرت الى بعضهن البعض فى دهشة .. كانت ياسمين تنظر الى مها فى جمود .. لكن اخترق أذنيها ردود فعل من حولها
ايه ده هى كانت متجوزة أصلا
أكيد بتهزرى
ياسمين أصلا مش متجوزة
قالت مها شارحه فى استمتاع
ياسمين كانت رافعة قضية خلع على زوجها وكسبتها امبارح
ثم نظرت الي ياسمين قائله بخبث
والبشمهندس عمر كان كريم أوى معاها وخباها من جوزها هنا فى مزرعته لحد معاد الجلسه .. اظاهر ان البشمهندس عمر بيعزك أوى يا ياسمين
دكتورة ياسمين ثوانى لو سمحتى
لكنها لم تسمعه .. بل لم تراه .. صنعت العبرات غشاوة على عينيها فسارت تتبين طريقها بصعوبه .. وصلت الى شجرتها .. ألقت بنفسها على جذعها الذى فارقته منذ ساعات .. وضعت كفيها على وجهها وجهشت فى بكاء عميق .. لماذا لا يتركها الناس وحالها .. لما ينغصون عليها فرحها .. لماذا يستكثر بعض الناس أن يرى غيره سعيدا .. لماذا يخوض الناس فى أعراض بعضهم البعض ويمزقونهم بلا هواده .. لماذا لا يعلم الناس أن الكلمات التى تخرج من أفواههم هم محاسبون عليها تماما كأعمالهم .. لماذا لا يدرك البعض أن الكلمة قد تكون خنجرا ينغرس فى قلب من أمامه بلا هواده .. أو تكون بلسما تطيب جرحه فى لحظات .. الى متى ستشعر بهذا الظلم .. الى متى ستظل الإبتسامه عزيزة عليها .. وكأنها زائر لا يحل إلا بعد غياب طويل .. لحظات ثم يعود ليرحل مرة أخرى بقسۏة .. أخذت تردد بصوت مرتجف
اللهم انى مغلوب فإنتصر .. اللهم انى مغلوب فإنتصر
فجرت مها قنبلتها ثم أخذت طعامها وجلست على احدى الطاولات تتجاذب أطراف الحديث مع شيماء .. وفجأة رأت دكتور حسن يقف بجانبها .. فالتفتت تنظر اليه فى صمت .. فقال بحزم
المزرعة هنا للشغل وبس يا دكتورة مها .. مش مكان للقيل والقال .. لو ضايقتى أى زميلة ليكي مرة تانية أنا هبلغ البشمهندس عمر بنفسي
شعرت مها بالخۏف فقالت له
أنا مكنتش قصدى أضايقها يا دكتور حسن أنا بس ....
قاطعها الرجل بحزم قائلا
أنا مبحبش أقطع عيش حد .. لو البشمهندس عمر عرف اللى انتى عملتيه أظن هيتصرف معاكى تصرف يزعلك .. مش عايز أشوف منك غلطة مرة تانية .. لا فى حق دكتورة ياسمين ولا فى حق أى حد تانى هنا فى المزرعة .. مفهوم
أومأت برأسها فى صمت .. غادر القاعة فالتفتت الى شيماء قائله
هو ماله ده .. يكنش اشتغل محامى للست ياسمين وأنا معرفش
أخذت تتناول طعامها فى حنق
كان عمر يجلس فى مكتبه .. كان تركيزه كله موجه الى تلك الفتاة التى تبعد عنه بضع خطوات .. شعر بأنه يرغب فى رؤيتها مرة أخرى .. نهض من مكتبه وتوجه الى مكان عملها .. لم يجدها .. فسأل هانى الذى كان يجلس على أحد الكراسي يطالع كتاب بيده
مشفتش الدكتورة ياسمين يا هانى
قال هانى بحنق
أديني آعد مستنيها .. شوفتها من شوية ماشيه وواخده فى وشها نادتلها معبرتنيش
قال عمر بقلق
مشيت منين
أشار له هانى الى الإتجاه الذى رأى ياسمين تسير فيه .. ذهب عمر فى اثرها .. ظن أنها ذهبت الى شجرته .. اقترب
من الشجرة فسمع صوت شهقات صغيره .. التف حول الشجرة ليجد ياسمين جالسه على الجذع تخفى وجهها بكفيها .. وتبكى .. هتف فى لوعه
ياسمين فى ايه
رفعت رأسها لتراه أمامها .. مسحت عبراتها المتساقطه قائله
مفيش حاجه
تفرس فيها وسألها مرة أخرى
قوليلى ايه اللى حصل
ردت پحده دون أن تنظر اليه
قولتلك مفيش
احتار عمر فى تفسير سبب بكائها .. خطړ بباله خاطر تألم له قلبه .. هل من المعقول أنها تبكى لفراق زوجها .. أمازالت تحبه .. أتبكيه .. أم تبكى حبها له .. أم تبكى صډمتها فيه .. أم تبكى بعدها عنه .. لم يتحمل حيرته .. سألها بصوت خاڤت
كنتى بتحبيه
رفعت عينيها اليه فى دهشة .. من
يقصد .. أيقصد مصطفى .. كيف يسألها عن أمر خاص كهذا .. ردت فى حزم قائله
لو سمحت اتفضل امشى
قال عمر پحده
طب ريحينى بس
نهضت قائله پغضب
خلاص همشى أنا
ثم تركته خلفها وانصرفت .. كانت الغيره تعصف بكيانه .. أتفكر فيه .. أتشتاق اليه .. هل من الممكن أن تسامحه يوما ..
هل من الممكن أن ترغب فى العودة اليه يوما .. لماذا ترفض
التحدث اليه .. لماذا لا تخبره بما فى قلبها وعقلها ليستريح قلبه .. عاد الى مكتبه والڠضب على محياه .. وجد كرم ينتظر بالداخل .. نظر اليه كرم قائلا
فى ايه يا عمر
أزاح عمر كرسي المكتب وجلس عليه فى عصبيه قائلا
شوفت ياسمين بټعيط من شويه سألتها مالك مرضتش تريحنى .
نظر الى كرم قائلا پغضب
مش عارف حتى أتكلم مجرد كلام عادى مع البنت اللى بحبها .. مش مديانى أى فرصة أقرب منها
قال له كرم
عمر هى لسه مطلقة امبارح .. وكمان ټهديد طليقها ليها .. يعني أكيد مشاعرها متضاربه
نظر اليه عمر قائلا بصرامة
وأنا عايز أكون جمبها .. وأخدها فى حضنى .. أقولها متخفيش من حد انا جمبك .. عايز أتأكد ان الحيوان ده ملوش أى مكان دلوقتى فى قبلها .. وانها نسيته تماما
صمت عمر قليلا ثم هب واقفا وهو يقول
أنا رايح حالا أطلبها من أبوها
اعترض كرم طريقه قائلا
يا ابنى اهدى شوية .. دى لسه مطلقة
قال عمر پحده
هتجنن يا كرم دى مش راضية حتى تتكلم معايا .. عايز أثبتلها انى مش بلعب وانى عايزها بجد .. أنا لحد دلوقتى ماقولتهاش انى بحبها .. ھموت وأقولهالها يا كرم .. بس خاېف أقولها تضايق منى وتفتكرنى بلعب بيها .. عايز أتقدملها دلوقتى .. عشان لما أقولهالها تعرف انى بحبها بجد وعايزها بجد
قال كرم
يا ابنى وأهلك .. انتى ناسيهم
سأله عمر
ومالهم أهلى
مش لازم يعرفوا تفاصيل الموضوع ده .. دول ميعرفوش ان فى موضوع أصلا
فكر عمر قليلا ثم قال
معاك حق لازم أستغل الشهر ده لحد ما عدتها تخلص .. أنا هكلم ماما وبابا وأعرفهم انى عايز أخطب .. وأخليهم ييجوا هنا ويتعرفوا عليها .. أهو على الأقل بعد ما الشهر يخلص تكون هى قربت من ماما وماما قربت منها وبقى بينهم علاقة كويسة
قال كرم
تمام كده .. مش تقولى أطلبها من أبوها فى العده
قال عمر بإصرار
أنا كدة كدة هكلم أبوها .. مش هستنى لما الشهر يخلص .. عايزها تعرف من دلوقتى انى عايزها .. وكمان عشان أقدر أأقدمها لأهلى ويتعرفوا عليها
خلاص تمام كده .. رتب انت موضوع أهلك ده
أومأ عمر برأسه قائلا
هكلمهم النهاردة ان شاء الله
هاتف عمر أهله فى المساء .. لم يتحدث عن أى تفاصيل .. فقط قال لأمه بأنه وجد فتاة أحلامه التى يتمنى الارتباط بها .. ويريدها أن تلتقى مع عائلته ويعرفهم عليها .. كانت والدته سعيدة للغاية .. فلطالما انتظرت اليوم الذى يدق فيه قلب ابنها مرة أخرى .. اتفقا على القدوم بعد ثلاثة أيام .. لن يحضر الأبوان فقط .. بل عمته ثريا أيضا .. انهى المكالمه وهو يشعر بالسعادة فى قلبه .. فها هو يقترب من حلمه شيئا فشيئا .. ياسمين
نادى الخادمة وقال
لها
عايزك تنضفى البيت والأوض كلها كويس جدا لان أهلى جايين المزرعة وهيعدوا كام يوم
اقترب عمر من عبد الحميد الجالس داخل المخزن يدقق فى الدفاتر التى أمامه .. ابتسم عمر قائلا
صباح الخير يا عم عبد الحميد .. ربا يديك الصحة
هب عبد الحميد واقفا والتف حول المكتب وسلم على عمر قائلا
يا صباح النور